مسؤولية الطبيب الجنائية عن عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية

جمهورية العراق
  وزارة التعليم العالي والبحث العلمي 
    جامعة النهرين/ كلية الحقوق
    
مسؤولية الطبيب الجنائية عن عمليات
نقل وزرع الأعضاء البشرية
(دراسة مقارنة)
رسالة تقدمت بها
علياء طه محمود
إلى
مجلس كلية الحقوق / جامعة النهرين
وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير
في
قسم القانون العام
بإشراف الدكتور
احمد كيلان عبد الله
استاذ القانون الجنائي المساعد 
رئيس قسم القانون العام
1434هـ2013م




















Summary
        The criminal responsibility of the physician for the operations of transfer  and transplant of the human organs
  praise be to God, who do well anything, that he create the death and life, and to make die ,so give life, teach the human what he do not know, and make from his science another science for save the human soul from the diseases –medicine science– and call him to make every effort to save the life of human ,as said (who life it as life more people), and my prayer and please upon the prophet Mohammed (God's blessing and peace be upon him) ..after that:
  All the world had recognize for right of the physician to practice of medical works to execute his holy duty free will to treat the patients, and do best to recovery them from their hurt ,because the medicine is like another sciences ,and continual advance as well as the human or the physician sometime disability to followed the new at this field. this advance can change the classical equipments, and the modern technical equipments as more activity appeared to treat the incurable  diseases, therefore this modern equipments make many human  benefits.
   Undoubtedly, the subject of The criminal responsibility for medical works was considered the important subjects that excite many discussion, twist, and diligence at field of criminal jurisprudence, and judicial application ..so that the  difference between the jurist of law, physicians, and human about the modern medical recent, specially operations of transfer  and transplant of the human organs, that was considered as more importance of modern medical discoveries that bought new future for human life, who is means and aim to give him this life hope to renew it and its continuation, in spite of this, there is a danger was appeared for human, and it make up insult him, and his human honor. The operations of transfer and transplant of the human organs was considered as important medical works,and practice it sometime by the physicians with advanced  form so that at the bronze age the human knew the operation of (Terphine), this is meaning remove a part of bone of skull ,it is result a accident in the head. The old discovery  leaded  that the Egyptian ancient knew the (transplant of teeth), and the Grace and Roman took it, and people of America knew it, and the Muslim physicians practice it at tenth century A. D. . the prophet messenger (God's blessing and peace be upon him) transfer the organs as one of wonder that appeared by him,such as return the eye of Qutada (God please him), and return hand of Maw'oth Ibn Afra'a after it was cutting  by Akroma In Aby Jehl.  
Basis above , we choose this subject of research -  
  The criminal responsibility of the physician for the operations of transfer  and transplant of the human organs.      


























Republic of lraq
Ministry of Higher Education and ScientificResearch
AL-Nahrain University College of law

The criminal responsibility of the physician for the operations of transfer  and transplant of the human organs
(comparative study)

Athesis was submitted by 
Alia'a Taha Mahmood 
To 
The college of law council / Al- Nahrayn University 
As 
Apart of requests to grant Master Degree for  the 
general law 
By supervisor 
Assist. Prof. Dr. 
Ahmed Gailan Abdullah 

2013A.D.                                     1434 A.H












المقدمة
     الحمد لله الذي أحسن كل شيءٌ خلقه، خلق الموتّ والحياة، فأمات وأحيا وهو على كلِ شيءٍ قدير. علمَ الإنسان ما لم يعلم، فجعل من علمهِ علماً يتوصل بهِ إلى حِفظ النفس البشرية من العِلل والأَسقام ـــــ علم الطب ـــــ فدعا إلى بذل الوسع في إنقاذ حياة الإنسان. فقال سبحانه وتعالى: (وَمَنْأَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)(1)، واصلي واسلم على الرؤوف الرحيم، رحمة الله للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.
    لقد أعترفت مختلف دول العالم بحق الطبيب في ممارسة أعمالهِ الطبية ليقوم بواجبهِ المقدس والسامي بكل حرية في علاج المرضى، والعمل على شفائهم من الآلام، فالطب كغيره من العلوم في تقدم مستمر حتى أن الإنسان أو الطبيب يعجز أحياناً عن ملاحقة الجديد في هذا المَيدان، وكان من شأن هذا التقدم أن تغيرت وسائل العلاج التقليدية، وظهرت وسائل فنية حديثة أكثر فاعلية في معالجة الأمراض المستعصية، فحققت هذه الوسائل الحديثة فوائد عديدة للبشرية.
    ومما لا شك فيه أن موضوع المسؤولية الجنائية للأعمال الطبية يُعد من اكثر الموضوعات التي أثارت منذ عهد بعيد وما زالت تثير كثيراً من الجدل والنقاش والإجتهاد في مجال الفقه الجنائي والتطبيق القضائي، فضلًا عن ذلك الخلاف بين فقهاء القانون والأطباء والبشرية بشأن المستجدات الطبية الحديثة وعلى الخصوص عمليات نقل وزرع الأعضـــــاء البشــــرية(2) التي تعــــــــد  أهم الإكتشافات الطبية الحديثة التي جَلبت اُفقاً جديدة للحياة البشرية، في إعطاء الإنسان الذي هو الوسيلة والغاية في هذه الحياة، أمــلاً بتجــــدد الحيـــاة وإستمرارهـــا، وبالــــرغم من ذلك فأنها أصبحت اليوم تبرز نوعاً من الخطورة للإنسان وتشكل له نوعاً من الإهانة لكرامتهِ الإنسانيـــــــة،
حيث جعلتهُ عُرضة للإتجار بأعضائهِ البشرية. 

   وتأسيساً على ما تقدم كان إختيارنا لموضوع البحث ـــــ مسؤولية الطبيب الجنائية عن عمليات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المائدة، الآية (32). 
(2) تعد عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية من الأعمال الطبية الهامة والتي عرفت قديماً ومارسها الأطباء في بعض الأحيان بصورة متقدمة نسبياً، ففي العصر البرونزي عرف الإنسان عملية التربنةTerphine)) وهي إزالة جزء من عظم القحفة نتيجة إصابة الرأس وتدل المكتشفات القديمة على أن قدماء المصريين عرفوا (زرع الأسنان) وقد أخذها عنهم اليونان والرومان، وعرفها كذلك سكان الأمريكتين. وقد مارسها الأطباء المسلمون في القرن العاشر الميلادي، وقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بنقل الأعضاء وأن كان قد خص به كأحد المعجزات التي ظهرت على يده فقد رد عين قتادة ـــــــ رضي الله عنه ــــــ ويد معوذ بن عفراء بعد أن قطعها عكرمة بن أبي جهل. ينظر د.محمد علي البار: الموقف الفقهي والأخلاقي من قضية زرع الأعضاء، الدار الشامية، بيروت، 1993، ص89.  
نقل وزرع الأعضاء البشرية.
أهمية البحث: 
  تعد العمليات موضوع البحث بالإضافة إلى كونها من أهم الإكتشافات الطبية الحديثة التي أتى بها البحث في علوم الطب والعلاج، فهي تتعلق بأعضاء جسد الإنسان التي ينبغي الإهتمام بها وحفظها مما يطرأ عليها ويعطل قيامها بالمهمة الموكولة إليها، ولما كانت هذه العلميات تمثل إعتداءً عليها فقد كانت نقطة الإنطلاق للبحث في الموضوع من خلال تساؤلنا عن مدى مشروعية هذه العمليات، خاصةً وأنها أثارت جدلاً واسعاً ـــــ ولا يزال مستمراً ـــــ بين علماء الشريعة وفقهاء القانون، بل وحتى بين المختصين من أهل الطب، مما تطلب منا التعرض لمعرفة بعض القواعد الطبية، وكذا التعرض لأحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها الفقهية، مقارنة ذلك بأحكام القانون الوضعي وتحديداً الجنائي فيما يتعلق بحماية الإنسان وحقه في سلامة جسده.
    فضلاً عن أن هذه العلميات فتحت مجالاً واسعاً للبحث في النظريات الفقهية والقانونية لتأصيل المساس بجسم الإنسان، ومعرفة مدى مشروعية المساس بجسد الميت، وكيفية التصرف في أحد أعضاء هذا الجسد.
   ولما كانت الشريعة الإسلامية قد سبقت القوانين الوضعية في حماية الكيان الجسدي، وتحقيق مصالح الناس لذا فالمقارنة مع أحكامها أمرٌ ضروري ومهم لكونها تمثل الدستور الذي ينظم علاقة الإنسان بربهِ. 
  وعليه فالغاية من بحثنا تتمثل بالوقوف عند بعض الصور من التهاون وعدم التبصُّر في نطاق نقل وزرع الأعضاء البشرية، والتي أصبح أخطاء بعض الأطباء فيها ظاهرة كبيرة في ظِل غِياب القانون، ذهبت ضحيتها الكثير من الناس والبعض الآخر في عاهة مستديمة.

إشكالية البحث:
   إن العمليات موضوع البحث تنطوي على مساس بحق الإنسان في الحياة وسلامة جسمه ومن هنا يثور الإشكال عندما يُصاب الإنسان في أحد أعضائه بمرض لا يجدي علاجه بالوسائل التقليدية وأصبح السبيل الوحيد أمامه إستبدال العضو التالف بعضو سليم، فإذا كانت المشكلة لا تثور في جانب المريض (المنقول إليه)، فأنها تنشأ في جانب الإنسان السليم (المنقول منه)، إذ أن الأول إذا كان يعد من ضمن المرضى فيكون التدخل على جسمه أمراً مباحاً لتوافر القصد العلاجي، فأن الثاني هو شخص سليم يقوم بالتنازل عن عضو من أعضاء جسمه بغرض زرعه في شخص آخر وليس بغرض علاجه، وبالتالي ينتفي الغرض العلاجي الداعي للمساس بجسمه، فيعد تنازله في هذه الحالة مساساً بسلامة جسمه، وإنتقاصاً من تكامله الجسماني(1)، فهل يجوز لهذا الإنسان (المنقول منه) أن يأذن بإستقطاع عضو من جسمه ليس لمصلحتهِ هو، وأنما من أجل مصلحة إنسان آخر؟
 وهل يعتبر بتر العضو من جسد الإنسان السليم والمعافى، مساساً بجسمه يتوافر له كل ما يتطلبه القانون الجنائي لقيام إحدى جرائم الإعتداء على الحق في سلامة الجسم؟ وبالتالي هل تقوم المسؤولية الجنائية للطبيب عن هذهِ المُمارسة؟  
  وهل يجوز للإنسان أن يأذن بإستئصال عضو من جسمه بعد موته ليُزرع في جسد إنسان آخر؟ وما هو الأساس الشرعي والقانوني لذلك؟ وما هي المتطلبات أو الشروط التي يجب مراعاتها مع هذا الأساس؟ وفي حالة النقل من جسد إنسان ميت، ما هو المعيار الذي يحدد بمقتضاه أن الإنسان قد مات؟ هل هو موت جذع الدماغ أو الموت الشرعي (توقف جميع أجهزة الجسم)؟ وفي حالة إجازة نقل الأعضاء من جسد الميت، ما هي المتطلبات اللازمة لهذهِ الإجازة؟ وما هو الأساس القانوني لها؟ 
  وأخيراً كيف يتم تحديد مسؤولية الطبيب جنائياً في نطاق المُمارسات السابقة، إذا ما حركت تلك المسؤولية؟ 
منهجية البحث: 
  لقد بدأت البحث بتمهيد في مفهوم المسؤولية الجنائية الطبية وأساسها، وفي مفهوم الأعضاء البشرية وحقيقتها، كما عمِلت الدراسة على المُقارنة بين العديد من التشريعات العربية وأبرزها التشريع المصري واللبناني والأردني وبعض التشريعات الأجنبية وأبرزها التشريع الفرنسي.
  وقدمنا في البحث تحليلاً دقيقاً لبعـض النصوص القانونية، والأحكام القضائية، وأعتمدنا كذلك على إظهار أوجه الحقيقة للوقوف على مدى توافر المسؤولية وإقرارها بحق الطبيب في نطاق مُمارسات نقل وزرع الأعضاء البشرية.
خطة البحث: 
    لقد تناولنا دراسة الموضوع محل البحث في أربعة فصول لآحقة لتمهيد عرضنا فيه بإيجاز
مفهوم المسؤولية الجنائية الطبية وأساسها، ومفهوم الأعضاء البشرية وحقيقتها في فقرتين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فالبحث لا يتناول ممارسة نقل عضو من جسد الإنسان لزرعهِ في موضع آخر من جسمه ــــــ كنقل جزء من الجلد او العظام او الأوردة  والشرايين وأنما تقتصر الدراسة على بيان حكم نقل عضو من إنسان إلى إنسان آخر.  

متتاليتين، أما الفصل الأول فقد خصصناه لبحث أهم المتطلبات ذات الصلة في الموضوع، وقسمناه إلى ثلاثةمباحث، تناولنا في الأول إطار التعريف بعمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية وأصنافها، من خلال التعريف بمفهوم نقل وزرع الأعضاء وتحديد أهم أصنافها، أما الثاني فقد كرسناه للبحث في إطار التعريف بالمصلحة المعتبرة في الحماية الجنائية للإنسان، من خلال دراسة نطاق هذه الحماية ومعيار سريانها بالنسبة للإنسان الحي و الميت، أما الثالث فبحثنا بمقتضاه تكريم الإنسان على المستوى الدولي من خلال إبراز أهم مظاهر هذا التكريم وفقاً للإعلانات والمواثيق والإتفاقيات ذات الصلة بحقوق الإنسان. 
   أما الفصل الثاني فقد تناولنا فيه نقل الأعضاء من جثث الموتى، وقسمنا الفصل إلى ثلاثة مباحث، خصصنا المبحث الأول لدراسة مفهوم الموت ولحظة تحققه فقهاً وتشريعاً، من خلال بيان مفهوم الموت ولحظة تحققه لدى علماء الطب، وعلماء الشريعة ومن ثم لدى الفقه الجنائي، أما المبحث الثاني فقد تناولت في متنه دراسة ممارسة تشريح جثة الميت، من خلال التعريف بمفهوم التشريح وبيان حكمه شرعاً وتشريعاً، وخصصنا المبحث الثالث لتفصيل أحكام نقل الأعضاء من جثث الموتى من الناحية الشرعية والقانونية.
   أما الفصل الثالث فتناولنا فيه نقل الأعضاء من أجساد الأحياء، وذلك على ثلاثة مباحث الأول كرسناه لبحث ممارسة نقل الأعضاء من الأحياء على سبيل التبرع من خلال بيان أحكام هذه الممارسة شرعاً وقانوناً، أما المبحث الثاني فتناولنا فيه ممارسة نقل الأعضاء من الأحياء المحكومين بالقتل في ضوء القواعد الشرعية والقانونية، وخصصنا المبحث الثالث لدراسة أهم ظاهرة للتداول غير المشروع بالأعضاء البشرية بين الأحياء والمتمثلة بالبيع والشراء من خلال بيان موقف الفقه الشرعي والتشريعي منها.   
  أما الفصل الرابع ففيه قدمنا دراسة تحليلية لتحديد مسؤولية الطبيب الجنائية في نقل وزرع الأعضاء البشرية. مقسمين هذا الفصل إلى مبحثين، تناولنا في المبحث الأول متطلبات إنعدام المسؤولية الجنائية للطبيب في نقل وزرع الأعضاء البشرية، من خلال دراسة أهم المتطلبات الطبية والقانونية اللازم توافرها في نطاق نقل وزرع الأعضاء، أما المبحث الثاني فقد كرسناه لبحث حالات قيام مسؤولية الطبيب الجنائية في نقل وزرع الأعضاء البشرية من خلال تفصيل صور النقل غير المشروعة من من جثث الموتى ومن أجساد الأحياء.   
   وفي الخاتمة تم إبراز أهم الإستنتاجات والتوصيات ومن ثم التعديلات التي تَوصلت إليها من خلال هذا الجهد المتواضع.    
                                       











































 الفصل الأول
    متطلبات تحديد المسؤولية الجنائية للطبيب عن
نقل وزرع الأعضاء البشرية
    يتعين لدراسة متطلبات تحديد المسؤولية الجنائية للطبيب في عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية، بحث إطار التعريف بعمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية، ثم نعرض أهم أصناف هذه العمليات، ونبحث في إطار التعريف بالحق المعتبر في الحماية التي يقررها القانون الوضعي وتحديداً ــــــ الجنائي ــــ للإنسان سواءً كان حياً أم ميتاً، وعلى ذلك سوف نقسم هذا الفصل إلى المباحث الآتية
  المبحث الأول: إطار التعريف بعمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية وأصنافها.
 المبحث الثاني: إطار التعريف بالمصلحة المعتبرة في الحماية الجنائية للإنسان. 
 المبحث الثالث: إطار التعريف بالحماية القانونية للإنسان على المستوى الدولي.     

المبحث الأول
إطار التعريف بعمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية 
وأصنافها
    إن بحث التعريف في عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية يتطلب بيان مفهومها، ثم بيان أصنافها، وعلى ذلك نتناول هذا المبحث في مطلبين، نبحث في الأول مفهوم عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية من خلال عرض تعريف عمليتي نقل وزرع الأعضاء البشرية، أما في الثاني فسوف نبحث فيه أهم أصناف الأعضاء وعمليات نقلها وزرعها وعلى النحو الآتي: 
  المطلب الأول: مفهوم عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية. 
  المطلب الثاني: أصناف الأعضاء البشرية وعمليات نقلها وزرعها.  
المطلب الأول
مفهوم عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية
   إن تحديد مفهوم العمليات موضوع البحث يتطلب منا إعطاء تعريفٍ لأنواعها، وسوف نتناول ذلك ضمن هذا المطلب وفي الفروع الآتية:
   الفرع الأول: تعريف عملية نقل العضو البشري.
   الفرع الثاني: تعريف عملية زرع العضو البشري.
الفرع الأول
تعريف عملية نقل العضو البشري
    لقد عرفت عملية نقل العضو البشري بأنها: ( العمليات التي يتم بها إستئصال العضو السليم القابل للنقل من جسد المعطي وحفـظه تمهـيداً لزراعته في جسد المتلقي في الحال أو المآل)(1).
    وبعبارة أخرى هي: ( نقل عضو أو جزء من عضو من صاحبه ليزرع في مكان مناسب من جسم الإنسان بقصد تعجيل شفائه أو إبدال عضو عليل بآخر سليم )(2).
    كما عرفها آخرون بأنها: ( العمليات التي يتم بها نقل العضو السليم من جسم المتبرع، سواءً كان إنساناً أمحيواناً أم كائن حي، وإثباته في الجسم المستقبل ليقوم مقام العضو المريض في أداء وظائفه ). 
    ويعد التعريف الأخير حصراً مرتبك الصياغة لكون العضو يشترط لإستئصاله من جسم المنقول منه حصول موافقة الأخير، فكيف يمكن إستحصال موافقة الحيوان على أخذ احد أعضائه فضلاً عن أن نقل العضو قد لا يكون منالكائن الحي وأنما من جثة إنسان.
    فضلاً عن ذلك أن هذا التعريف يخلط بين عمليتي نقل وزرع العضو علماً أنّ لكل منهما خصوصية مميزة، فمحل عملية زرع العضو إنسان مريض يعاني من تلف في احد أعضائه البشرية.
     وأمام قصور التعاريف السابقة فقد أجتهدنا بتواضع لوضع تعريفٍ لعملية نقل الأعضاء، نظراً لأهميتها ولقـلة تعرض المراجع الخاصة بهذا الشأن وكما يأتي: 
   ((هي عملية طبية يقوم بها طبيب مختص بإستئصالعضوٍ بشرىٍ من شخص حي أو ميت وزرعه في جسد شخص آخر في وجود عنصر الرضا، ومن دون مقابل على سبيل التبرع وفقاً للأصول الطبية المتبعة والقواعد القانونية المقررة، وذلك لتحقيق مصلحة مؤكدة للمتبرع له وبما لا يخالف النظام العام)).




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر د.منذر الفضل: التصرف القانوني في الأعـضاء البشرية، ط1، دار آفـاق للطباعة، بغداد، 1990، ص16.
(2) ينظر د.محمد حماد مرهج الهيتي: التكنولوجيا الحديثة والقانون الجنائي، دار الثقافة، عمان، الأردن، 2004، ص31.
الفرع الثاني
تعريف عملية زرع العضو البشري
     يقصد بعملية زرع العضو: (هي عملية إستبدال عضو أو نسيج مصاب بآخر سليم، أو بعبارة اخرى هي عملية إدماج عنصر جديد في جسم الإنسان الحي للمساهمة فيما تعانيه وظائفه الفسيولوجية من أوجه نقص)(1).
    وعرفت كذلك بأنها: (هي عملية تثبيت العضو المنقول في جسد المتلقي بعد إستئصال العضو المريض أو التالف لكي يقوم مقام الثاني في أداء وظائفه)(2).
    وهذا التعريف الأخير يعطي تمايزاً واضحاً لعملية زرع العضو البشري فهي في حقيقتها ليست عملية واحدة، كما هو الحال في عملية نقل العضو من المنقول منه، وأنما هي عبارة عن عمليتين مترابطتين، الأولى عملية إستئصال العضو العاجز عن أداء وظيفته من جسم المتلقي او المستقبل.
    أما الثانية فهي عملية تثبيت العضو المنقول والذي هو عضو سليم محل العضو التالف أو المريض والعاجز عن أداء وظيفته، لذا يفترض في العضو المنقول إلى المريض أن يكون سليماً وإلا لا فائدة من النقل(3).
المطلب الثاني
أصناف الأعضاء البشرية وعمليات نقلها وزرعها
    إن مسألة تحديد أصناف الأعضاء البشرية تتطلب منا أولاً بيان أصناف عمليات نقلها وزرعها ليتسنى لنا بعد ذلك معرفة أهم أصنافها، وعلى ذلك سوف نقسم هذا المطلب إلى الفروع الآتية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر د.محمد عبد الوهاب الخولي: المسؤولية الجنائية للأطباء، ط1، بلا دار نشر و مكان نشر، 1997، ص146.
(2) ينظر د.محمد حماد مرهج الهيتي: مصدر سابق، ص104.
(3) إن هناك تمايزاً بين عملية نقل العضو وبين عملية زرع العضو من حيث المحل ومن حيث الغاية، فمن حيث المحل فأن عملية نقل العضو البشري هو إنسان سليم من الناحية الصحية لا يشكو الماً في أي جزء من أجزاء جسمه، أما عملية زرع العضو البشري فمحلها إنسان مريض من الناحية الصحية لا أمل في شفائه إلا من خلال إستئصال العضو التالف في جسمه وزرع عضو جديد بديلاً عنه، ومن حيث الغاية ففي عملية نقل العضو لا غاية علاجية للمنقول منه من ذلك، في حين غاية عملية زرع العضو البشري هي علاج المريض وشفائه من علته المستعصية. ينظر المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
     ومن هنا يثار التساؤل حول الأساس القانوني لمشروعية هذا المساس بجسم الإنسان السليم الذي لا تحقق عمليات نقل الاعضاء أية غاية علاجية له ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه ضمن الفصل الثالث من الرسالة.
    الفرع الأول: أصناف عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية.
   الفرع الثاني: أصناف الأعضاء البشرية.
الفرع الأول
أصناف عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية
    إن عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية تحدد أصنافها، بحسب طبيعة مصدر العضو والغرض الذي ترمي إليه، عملية نقل العضو والتكوين المادي للعضو المنقول، وذلك على الوجه الآتي:
   أولاً: يكون النقل والزرع ذاتياً " داخلياً " متى كان مصدر العضو المنقول، هو ذات الشخص الذي هو محل عملية زرع العضو البشري(1)
    والمثـــــــــــال الأكثر شيوعاً للزرع الذاتي هو زرع معين للجلد بعـــــد إقتطاع هذه الزرعة من منطقة تابعة للشخص لتزرع في منطقة أخرى مشوهة او محروقة، وهذا النوع من العمليات لا يطرح مشاكل قانونية خاصة، فقصد العلاج فيها متوافر على نحو لا غبار عليه، ولا خوف فيهامن رد العضو من قبل الجسم المزروع فيه، ويطلق على هذه العمليات مصطلح (HAuto)،    أما إذا كان مصدر العضو إنساناً حياً كان أم ميتاً يكو
ن الــزرع "خارجي".  
   ويطلق على الشخص الذي ينقل منه العضو بالمعطي، بينما يسمى الشخص الذي ينقل إليه بالمتلقي، ويطلق على هذه العملية في مجموعها مصطلح (HoMo) وعملية الزرع هذه تتم على شخص ينتمي لنفس نوع المتبرع كالنقل من توأم إلى قرينه حيث تتطابق الصفات الوراثية في كلمنهما(2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يطلق على هذا النوع من العمليات بالتطعيم الذاتي (ترقيع الجلد) وهي من أقدم العمليات ويعود تأريخها الذي أجريت فيه لأول مرة لسنة 1869 بواسطة الجراح (Reverdin)، وهذه العمليات قد تتم عن طريق نقـل قطعة من الجلد السليم إلى مكان آخر في جسم نفس الإنسان او أخذ من جلد الغير إلى شخص آخر، وكذلك يصح الترقيع من جثة الميت حيث يمكن الإحتفاظ بخلايا الجلد حية مدة ثلاثة أسابيع بعد الوفاة بطريقة التثليج، وقد ساعدت هذه العمليات في تخفيف التشوهات التي تنشأ عن الحروق وعن مخاطر الحروب الحديثة. ومن أمثلتها كذلك ترقيع الإذن والأنف. ينظر د.محمد سامي الشوا: مسؤولية الأطباء، وتطبيقاتها في قانون العقوبات، ط2، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003، ص212.
(2) إن من بين تطبيقات نقل الأعضاء بين التوائم والتي تمت بنجاح هي عملية نقل الكلى من أخ توأم يدعى (Richard Herrick) لأخيه التوأم (Roland) بتأريخ 23/كانون الأول/1954 في بوسطن على يد الجراح (موراي) وفي الغالب الأعم تتم عمليات نقل وزرع الأعضاء بين التوائم لكونها قليلة المخاطر وكثيرة النجاح، نظراً لأن العضو الذي يدمج في جسم أحدهم هو من ذات التكوين الوراثي الذي يمكله الآخر. ينظر د.محمد علي البار: الفشل الكلوي وزرع الاعضاء البشرية، الدار الشامية، بيروت، بلا سنة نشر، ص105. 
 ثانياً: تتعدد عمليات نقل الاعضاء من حيث الغرض الذي ترمي إليه إلى نوعين: أولهما علاجي: مثل نقل كلية إلى شخص مصاب بفشل كلوي، او إستبدال قلب سليم بآخر معتل، وثانيهما: جمالي مثل عمليات ترقيع الجلد في حالة الإصابة بتشوهات جسمية ناشئة عن فعل الحرق.
 ثالثــاً: تتعدد عمليات نقل الأعضاء من حيث التكوين التشريحي للعضو المنقــــــــــول، ومن هذه الحالة يمكن التفرقة بين مجرد نقل نسيج أوعضو بسيط من حيث التكوين التشريحي مثل شريان أو جزء عظمي او قرنية العين، وبين نقل عضو مركب مثل كبد او كلية أو قلب، فبالنسبة للنوع الأول فهو لا يحتوي عادةً سوى نسيج واحد سرعان ما يتآلف وخلايا الجسم المتلقي، ويكون بذلك بمنأى عن ظاهرة رفض الجسم للعضو الجديد فهو أشبه في هذه الحالة بالعضو الصناعي(1)،
ويطلق على هذه العملية مصطلح (greffe).
    أما بالنسبة للنوع الثاني فأن العضو المركب كالكبد يحتوي في ذاته على خليط من أنسجة متباينة سواء تمثلت في أوعية دموية او بلمفاويات او أعصاب وعادةً ما يتهدد بظاهرة الرفض(2).
    يتضح إلينا من كل ما تقدم بأن جميع الأعضاء البشرية ليست قابلة للنقل فهناك أعضاء لا يمكن نقلها، بالمقابل هناك أعضاء يمكن زرعها ومن بين أهم الأعضاء البشرية التي
يستحيل نقلها ويترتب على نقلها وفاة المنقول منه، الدماغ والقلب والطحال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المقصود بالعضو الصناعي: هو العضو المصنوع من المعدن أوالبلاستك والذي يتم تركيبه في الجسم بدل عضو او جزء من عضو طبيعي تالف ليؤدي وظيفته من الناحية العضوية او الجمالية. ينظرد.محمد سامي الشوا: الحماية الجنائية لحق الإنسان في سلامة جمسه، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 1985، ص65. ولقد أوجدت التطورات العلمية في نطاق علم الطب والجراحة والتكنولوجيا هذا النوع من الأعضاء. ويتميز هذا النوع بالتكاليف الإقتصادية الباهضة.  
    وتعد الأعضاء الصناعية من الناحية البايولوجية عاجزة عن أداء وظيفة الأعضاء الطبيعة لذلك فأمر تثبيتها كبديل عن الأعضاء الطبيعية امر لا يخلو من المشاكل القانونية والطبية على مدى الأزمان السابقة واللاحقة. ومن تطبيقات هذا النوع من العمليات يعود إلى عام 1979، حيث جرت عملية زرع قلب صناعي في صدر ماعز، وبعدها أجريت عملية زرع قلب صناعي في صدر طبيب الأسنان (كلارك) عام 1984، ويعود تأريخ زرع القلب الصناعي لعام1957، إذ قام الطبيب (كولف) بغرس قلب بلاستيكي في صدر كلب. ينظر د.منذر الفضل: مصدر سابق، ص23، هامش (6).
(2) تعد عمليات نقل الكبد من أصعب عمليات نقل الاعضاء لما يتسم به الكبد من ضعف متناه من ناحية، وتعدد الوظائف المعقدة التي يقوم بها من ناحية اخرى، ومن أهم تطبيقات عمليات نقل الكبد، اجريت في عام 1964 قام بها الجراح الأمريكي (والسن) وتكتسب هذه العمليات زرع الكبد في مصر العربية طابعاً خاصاً بسبب إنتشار مرض الفشل الكبدي فيها والذي مرجعه الأساسي الإصابة بمرض البلهارزيا. ينظر د.محمد سامي الشوا: مسؤولية الأطباء وتطبيقاتها في قانون العقوبات، مصدر سابق، ص217. 
   فبالنسبة للدماغ فأن نقله يعتبر مستحيلاً بإعتباره من الأعضاء الوحيدة غير المتجددة في الجسم، فهو المركز الذي يحكم وظائف جميع الأعضاء وإذا جعل تطور الطب زرع الدماغ ممكناً فأن الشخص المنقول له، ستنقل له كافة معالم الإحساس للمنقول منه، ويصبح شخصــاً مختلفـــــــاً تمــــاماً عـــن ذلك الشخص، الذي وجــــد مــنمنذ ولادته فمن الصعب إنسجام زرع الدماغ مع إحترام الشخصية والكرامة الانسانية، وهذا ما قررته الجمعية العامة للمؤسسة الدولية لزرع الأعضاء في إجتماعها المنعقد في مدينة لاهاي في العاشر من أيلول للعام 1970: ( إن زرع الدماغ يجب أن يعتبر غير مقبول )(1).
  وبالمقابل أن كانت عملية زرع الدماغ غير مقبولة ومستحيلة، فهنالك عملية نقل جزء من الدماغ لمرضى الموثق العصبي(2)، أثبتت نجاحاً من الناحية التطبيقية في عام 1985، وذلك على يد الجراح (Bn.Carsonإذ قام بإستئصال جزء من دماغ الطفلة (Marnda) المصابة بذلك المرض، وتكللت محاولتهِ هذه بالنجاح )(3). ومن الأعضاء المستحيلة النقل كذلك القلب والطحال(4)، والعمود الفقري والمثانة والرحم (الأعضاء التناسلية)، وهذه مستحيلة التطبيق تجريبياً وواقعياً سواءً كانت على الإنسان ام الحيوان(5).ومتى ما قام الطبيب بإستئصال هكذا أعضاء وحيدة في جسم الإنسان يعتبر مســــــؤولاً من الناحية القانونية، لأن إستئصال عضواً وحيداً في الجسم هو إنهاء لحق الانسان في الحياة وهذا الأخير هو ليست ملكاً مطلقاً للإنسان وحده، بل سيشاركه في ذلك الحق (المجتمع)(6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Ahmed Abduldayam, Lesorganes ducorpshumains dansle  commerce  juridique, publication  juridique  Alhalabi, Beyrouth, 1999, P170.                    
(2) يعد الموثق العصبي أحد الأمراض المستعصية التي لا أمل من شفائها والذي يصيب النسيج الضام الدقيق في الدماغ والحبل الشوكي في جسم الإنسان، ومن أهم أعراضه:
  أ . الذبحة القلبية.  ب. إضطرابات مختلفة في مختلف أنحاء الجسد.  
  ج . إنجاب النساء أطفالاً مشوهين خلقياً. ينظر د.منذر الفضل: مصدر سابق، ص18 وما بعدها.
(3) أشار إليه د.منذر الفضل: مصدر سابق، ص19.
(4) يعتبر الطحال من الأعضاء التي لم يثبت الطب لحد يومنا هذا إجراء عملية واحدة ناجحة لهذا العضو، وإن أول محاولة لزرع طحال لطفل مصاب بنزيف حيث تم نقل طحال أمه إليه، قام بها الجراح (ستارزيل) في مدينة (دينمز) في 19/كانون الثاني/1963، إلا أنها لم تتكلل بالنجاح وقام ذات الطبيب بإجراء عملية زرع لذات العضو في عام 1968 وكذلك لم يبقى لدى المزروع له سوى أيام قليلة توقف فيها الطحال عن العمل مما توجب نزعه.  Ahmed  Abduldayam, Lesorganes, Ibid, P171.                                        
(5) ينظر د.منذر الفضل: مصدر سابق، ص18.
(6) ينظر د.طارق سرور: نقل الأعضاء البشرية بين الاحياء، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2001، ص194.
الفرع الثاني
أصناف الأعضاء البشرية
    إن الأعضاء البشرية وطبقاً لما توصلنا إليه عند بحثنالأصناف عمليات نقلها وزرعها، تصنف تبعاً لأهميتها وأثرها على حياة الإنسان إلى الأنواع الآتية:
  أولاًالأعضاء المفردة: وهي التي يترتب على بترها من الجسم موت الإنسان، كالقلب والكبد والأمعاء.
  ثانياًالأعضاء المزدوجة: وهي التي لا يترتب على بتر إحداها من الجسم موت الإنسان، كالكليتين والرئتين وغيرها.    
المبحث الثاني
إطار التعريف بالمصلحة المعتبرة في الحماية الجنائية
للإنسان 
   علمنا مقدماً بأن من المشاكل التي تثيرها عمليات نقل الأعضاء البشرية أنها تؤدي إلى المساس بجسم الإنسان وبمبدأ السيادة المطلقة والكاملة له على جسده، المتمثلة بحقه في التكامل الجسدي، وعدم جواز المساس بسلامة هذا التكامل، وأزاء ما أفرزه التقدم العلمي الطبي حديثاً من أعمال طبية جديدة في مقدمتها مشكلة البحث ــــــ نقلالأعضاء البشرية ـــــ وما تنطوي عليه تلك الأعمال من مساس بالتكامل الجسدي لجسم الإنسان، أضطرت القوانين الوضعية إلى التدخل وإضفاء الحماية على ذلك الكيان الجسدي لتضمن له أن يكون وعلى الدوام متمكناً من القيام بكافة وظائفه الأساسية والحيوية على نحو طبيعي، لما في ذلك من مصلحة أكيدة للفرد والمجتمع على السواء. 
    وقبل الولوج في بيان طبيعة حق الإنسان المعتبر في الحماية نشير إلى أن الحق في الحياة هو من أبرز مظاهر التكامل الجسدي للإنسان، اما الحق في سلامة الجسم فهو يعد من أهم مظاهر الحق في الحياة والمساس بكلا الحقين يشكل اعتداءً على التكامل الجسدي للإنسان، وتبرز مدى أهمية كلا الحقين بالنسبة لكل كائن بشري من خلال الحماية الجنائية التي توفرها القوانين العقابية لحمايتهماكلاهما من أي إعتداء فقد جرمت أفعال القتل والجرح والضرب والإيذاء. 
   ولقد سبقت هذه الحماية الجنائية حماية شرعية تضمن كلا الحقين وقد أستشفينا هذه الحماية الشرعية لحق الإنسان في الحياة وحقه في سلامة جسمه من خلال الرجوع إلى نصوص الشرائع السماوية، فقد أستنتجنا منها بأن هناك تكريماً آلهياً للإنسان، حيث حظرت جميعها الإعتداء على هذه الحقوق وتحديداً الحق في الحياة وبينت الجزاءات الآخروية والدنيوية على المعتدي. لأن في الإعتداء على هذا الحق تحديداً إزهاقاً للروح التي هي من خلق الله،إذ جاء في التوارة ما يأتي:    (من ضرب إنساناً فمات يقتل قتلاً ... وإذا بغى إنسان على صاحبه ليقتله بعذر فمن عند مذبحي تأخذه للموت ومن ضرب أباه أو أمه يقتل قتلاً)(1).
   كما وردت العديد من الآيات القرآنية في التنزيل الحكيم دالة على حق الإنسان في روحه وحياته، مؤكدة بأن الحق في الحياة هو من أهم حقوق الإنسان الهادفة إلى حماية الكيان المادي للإنسان، بل أنه المنطلق لتمتع الإنسان بجميع الحقوق اللازمة لحمايته بما فيها الحق في السلامة الجسدية، إذ جاءت بعض الآيات الكريمة دالة على حرمة الإعتداء على حياة الإنسان أو على سلامة جسده بأي شكل من أشكال الإعتداء وجاءت واضحة الدلالة في تعظيم ذنب من يرتكب جرائم القتل بحق الغير قال تعالى: ((من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً))(2).
    كما شرعت القصاص أن كان الإعتداء من الغير، فقال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن أعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم))(3).
    ويجري القصاص أن كان الإعتداء على عضو من أعضاء جسم الإنسان، قال تعالى:    ((وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالإذن والسن بالسن والجروح قصاص))(4).
   وكذلك لم يقتصر تحريم الإعتداء على حقوق الإنسان الحي وحسب، بل شمل حتى الإنسان الميت، فالإنسان محترم سواءً حياً أم ميتاً، فقد نهت الشريعة الإسلامية السمــحاء عــــــلى إنتهاك حرمة الميت ومنعت الإعتداء عليه في قبره بأي شكل من أشكال الإعتداء وحرمتّ نبش القبور وتهشيم عِظام الموتى إلا للضرورة، بل أوجبت إكراماً له دفنهُ فقد قال تبارك وتعالى في التنزيل الحكيم: ((ثم أماته فأقبره))(5). 
    ومن خلال تأملنا بتلك النصوص القرآنية يتضح إلينا مدى حرص المشرع الآلهي الله عز وجل في رعاية الإنسان جسداً وروحاً، تأكيداً منه على أن الإنسان هو الأساس الطاهر سواءً في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر سفر الخروج، الإصحاح الحادي والعشرون، منشورعلى الموقع الألكتروني:
http://st-takla.org/Bibles/Download-Arabic-Bible-Doc.html. آخر زيارة للموقع في 9/6/2013.
(2) سورة المائدة، الآية (32).
(3) سورة البقرة، الآية (178).
(4) سورة المائدة، الآية (45).
(5) سورة عبس، الآية (21).
حياته أم بعد مماتهِ، والركيزة الأساسية من ركائز المجتمع، وأن المشرع القانوني جاء ليحفظ للإنسان ماخصهُ الله به من كرامة وعِزة إنسانية من خلال نصوص القوانين الوضعية.
   وبناءً على ما تقدم نتناول مفهوم الحماية الجنائية للحق في سلامة الجسم لكونه المصلحة المعتبرة أو محل الحماية الجنائية بالنسبة للإنسان الحي، والمصلحة محل الحماية الجنائية للإنسان الميت ضمن هذا المبحث وفي المطالب الآتية:
 المطلب الأول: المصلحة المعتبرة بالحماية الجنائية للإنسان الحي.
 المطلب الثاني: المصلحة المعتبرة بالحماية الجنائية للإنسان الميت.
المطلب الأول
المصلحة المعتبرة بالحماية الجنائية للإنسان الحي
     إن المصلحة محل الحماية الجنائية للإنسان الحي هي جسم هذا الإنسان، فما هو مفهوم هذا الجسم وما هو نطاقه ؟ وأيُّ جُزء من أجزاء هذا الجسم هو محل الحماية،وما هي شروط تمتعه بهذه الحماية الجنائية، وما هو معيار بدء هذه الحماية لجسم الإنسان الحي؟ سوف نحاول الإجابة عن جميع هذه الأسئلة ضمن هذا المطلب من خلال الفروع الثلاثة المدرجة تبعاً:
الفرع الأول: مفهوم جسم الإنسان ونطاقه. 
الفرع الثاني: معيار لحظة بدء الحماية الجنائية لجسم الإنسان. 
الفرع الثالث: التعريف بالحق في سلامة الجسم ومضمونه وأفعال الإعتداء عليه. 
الفرع الأول
مفهوم جسم الإنسان ونطاقه
   يتطلب قبل البدء في نطاق الحماية الجنائية لجسم الإنسان إعطاء مفهوم محدد للجسم، يكشف عن مدى نطاق هذه الحماية، فأن لجسم الإنسان مفهومين أحدهما طبي والآخر قانوني:
  أما بالنسبة للمفهوم الطبي لجسم الإنسان فيتحدد بأنه يراد به: 
  (مجموعة الأعضاء التي تتكون من أنسجة مختلفة، متكونة من خلايا متعددة مكونة بدورها الخلية الأساسية في جسم الإنسان وتقـــوم هــــذه الأعضاء بــــأداء الوظائف الحيوية بالنسبة لبقاء الإنسان سواءً كـــــانت هـــذه الوظائف من النوع الفسيولوجي أم السايكولوجي)(1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر شفيق عبدالملك: علم تشريح جسم الانسان، ج1، القاهرة، 1959، ص201. وينظر آيدث  سبرول: جسم الإنسان أعضاؤه ووظائفها، ترجمة د.عبد الحافظ حلمي،  دار النهضة العربية،  بلا سنة نشر، ص12، نقلاً عن صباح سامي محمود: المسؤولية الجنائية عن تعذيب الأشخاص، أطروحة دكتوراه، مقدمة إلى كلية القانون، جامعة بغداد، 2000، ص3.  
   أما مفهوم جسم الإنسان من الناحية القانونية فيقصد به: 
  (هو الكيان المادي والنفسي الذي يباشر وظائف الحياة الطبيعية والإجتماعية وهو محل الحق في سلامة الجسم)(1).
    من المفاهيم السابقة يتضح لنا بأن نطاق جسم الإنسان يتلخص بقسمين الأول: مادي والآخر نفسي وكلاهما محلٌللحماية والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو بخصوص القسم المادي من جسم الإنسان لتعلقه بموضوعنا نقل الأعضاء وزراعتها، هل الحماية تتنوع أزاء تنوع القسم المادي لجسم الإنسان المتكون من مجموعة من الأعضاء كما أشرنا لذلك ؟ أو أنها تقرر لكافة مكونات هذا الجسم ؟ لقد كانت هذه المسألة محل إختلاف في أوساط الفقه القانوني(2)، فظهر هنالك إتجاهان:
 أولاً: الإتجاه الأول: 
    يرى أنصاره أن الحماية القانونية قاصرة في تطبيقها في مواجهة التكوين المادي لجسم الإنسان، على أعضائه دون كامل الجسم وبالنظر إلى الأهمية الوظيفية لكل عضو على سند من القول بأن أعضاء جسم الإنسان منها ما يعتبر ضرورية البقاء في جسم الإنسان لتمتعه بالحياة كإحتفاظ الإنسان بقلبه، فهو لا يماثل إحتفاظ الإنسان ببقية أعضائه القابلة للنقل كالكلية مثلاً فالمساس بالأخيرة لا يعد إعتداءً، فتبرع الإنسان بإحدى كليتيه ممكنٌ طالما لم يترتب على ذلك التبرع موتهُ(3).   
 ثانياًالإتجاه الثاني: 
   يعد هذا الإتجاه الراجح في الفقه الجنائي ويذهب أنصاره إلى أن الحماية القانونية واحدة بالنسبة لجميع أعضاء جسم الإنسان، على سند من القول بأن أعضاء الجسم هي جميعاً متساوية في أهميتها وتعمل في وحدة متكاملة وضمن جهاز واحد وهو جسم الإنسان، فهي تعمل ضمن إيقاع واحد محكم وتحت سيطرة وهيمنة جهاز المخ عليها.
   وعلى ذلك فلا فرق هناك بين أعضاء الجسم سواءً أكانت لها أهمية خاصة أم لم تكن، وسواءً كانت ناصحة أم عاجزة عن أداء وظائفها، وسواءً كانت ذات وظيفة عضوية كالجهاز الهضمي والقلب أم وظائف ذهنية كالمخ ومراكز الإحساس في الجسم. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر د.عوض محمد: جرائم الأشخاص والأموال، ج1، دار النجاحللطباعة، الإسكندرية، 1972، ص135. 
(2) ينظر د.مهند صلاح العزة : الحمائية الجنائية للجسم البشري، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية،2002، ص12 وما بعدها. 
(3) ينظر المصدر نفسه، الصفحة نفسها. 
     وبالتالي فالحماية الممنوحة لأعضاء جسم الإنسان لا تعني أنها ممنوحة لأداء العضو لوظيفته بل هي حماية للعضو في ذاته بغض النظر عن أداء أو عدم أداء وظيفته(1).
  ونحن نرى بتواضع أن ما ذهب إليه الإتجاه الأخير قد جانبه الصواب في حكم هذه المسألة، لكون الحماية تهدف إلى ضمان سير الحياة في جسم الإنسان على النحو الطبيعي، فهي تقتضي المحافظة على تكامله الجسدي وإحتفاظه بمستوى صحي عالٍوالأخيران لا يتحققان ولا يتخذان صفة الكمال إلا إذا كانت جميع أعضاء الإنسان تسير على النحو العادي والطبيعي في أدائها لوظائفها وبالتالي فالإخلال بالصحة هو إخلال بالسير العاديلوظائف الحياة في جسم الإنسان، فالإيذاء يقع أياً كانت الصورة التي يتخذها فعل الإعتداء، فكل إعتــداء على أي عضــو في جســم الإنسان يعد مساساً بسلامة هذا الجسد، فالحـماية القانونية تشمل جميع أعضاء جسم الإنسان حتى تلك الأعضاء المريضة أو عديمة الحركة(العاجزة).  
    فالأعضاء العاجزة لا يمكن على الإطلاق إخراجها من نطاق الحماية ذلك أن الإعتداء عليها وإن لم يتحقق به فعل الإيذاء المادي، لكن ذلك يتسبب بإيذاء نفسي لصاحبها وبذلك فلا يجوز المساس بها طالما أنها متصلة بجسم الإنسان وتعد جزءاً منه، وفضلاً عن ما تقدم أن العضو العاجز هذا وبفضل التقدم الطبي الذي أوجد نقل الأعضاء، ليس من البعيد أن يتوصل إلى ما يعيد لهذه الأعضاء حيويتها المفقودة.                            
الفرع الثاني
معيار لحظة بدء الحماية الجنائية لجسم الإنسان 
    لم تتفق التشريعات في وضع معيار محدد تبدأ فيه الحماية الجنائية لجسم الإنسان وفي التفاصيل بين التشريعات المختلفة في تحديد معيار بدء الحماية ظهرهنالك رأيان في الفقه الجنائي وعلى الوجه الآتي:
أولاً: الرأي الأول: يرى أنصاره بأن معيار بدء الحماية هي لحظة ميلاد جسم الإنسان ففي هذه اللحظة يتحقق الوجود القانوني للإنسان(2)، ومن ثم يكتسب كيانه المادي وصف الجسم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
(1) ينظر د.احمد شوقي عمر أبو خطوة : الإعتداء على الأشخاص، قانون العقوبات، القسم الخاص، ط1، ج1، دار النهضة العربية، 1993، ص168.
(2) وفقاً لمنطق هذا الإتجاه لا يمتد وصف الجسم إلى الجنين في بطن الأم إلا مع بداية عملية ولاته وإنفصاله عن رحم أمهِ، ويرى آخرون بالإتفاق مع هذا الرأي أن الوجود القانوني للكائن البشري لايتحقق، وبالتالي لا يكتسب كيانه المادي وصف الجسم إلا بأكتمال عملية الولادة فعلياً وتمام الإنفصال عن رحم الأم بالكامل، وإلا عد ما يقع عليه من أفعال قبل ذلك داخلاً في نطاق جرائم الإجهاض.ينظر د.محمود محمود مصطفى: شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، ط8، مطبعة جامعة القاهرة، 1984، ص200 وما بعدها.
وتنشئ له الحماية الجنائية بمعناها الدقيق.
 ثانياً: الرأي الثاني: وذهب أنصاره إلى خلاف الرأي الأول، فهذا الرأي يوسع من نطاق الحماية الجنائية ويقر بحتمية ثبوت الحماية الجنائية للكائن البشري منذ اللحظة التي يكتمل فيها هذا الكائن (الجنين)، فبموجب منطق هذا الرأي ينتقل الجنين بكيانه المادي من نطاق الحماية الجنـــــائية المقــــررة في جرائم الإجهاض إلى نطاق حماية الحق في الحياة وسلامـــة الجـــــسم بمجرد إكتمال نضج الكائن البشري في (رحم الأم)، ومع بداية عمــلية الولادة من دون إشتراط تحقق لحظة الولادة الفعلية والتامة(1).
   وإن ما يلاحظ على الرأي السابق أنه يوسع من الحماية الجنائية فـيقر بمنحها وثبوتها على حساب جريمة الإجهاض، وذلك حرصاً منه لإعطاء حماية أكثر للإنسان(2)
   والخلاصة أنه مع الميلاد تكون الجريمة إعتداءً على إنسان وقبل ذلك فهي جريمة إجهاض أو شروع فيها(3)، ومن ثم الحماية الجنائية تبدأ منذ تكون الكائن البشري في مراحله الأولى، فالقوانين الجنائية تتدخل لتبسط حمايتها وتجرم الإعتداءات الواقعة عليه(4).
   ففي فرنسا وبصدور قانون الصحة العامة ذي الرقم (654ــ94) الصادر في 29/تموز/1994، والمتعلق بإحترام جسم الإنسان المعدل لقانون العقوبات الفرنسي وبموجب نص المادة (162/ فــــــ15) منه، قضت بمعاقبة كل من يرتكب عمداً أو يشرع في وضع عوائق أمام المُمارسات الطبية المتعلقة بإجراء الإجهاض. وتكــــريساً للحمــــاية الجنائية ودلالـــة على نشوئها بتكوين الكائن البشــــري فــــقد نظـــــــم المشــــرع الفرنسي أحكام الإجهاض غير العلاجي، إذ حدد قيوداً ترد على هذا النوع من الإجهاض،كان من بينها التي فرضها القانون الصادر في 31/12/1979، والذي أباح بمقتضاه إنهاء الحمل للمرأة الحامل(5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر د.محمود نجيب حسني: شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، دار النهضة العربية، القاهرة، ط6، 1988، ص88 ومابعدها.
(2) ينظر د.مهند صلاح العزة: مصدر سابق، ص31.
(3) إن الإجهاض على نوعين: الأول: تلقائي وهذا النوع يحدث لأسباب مرضية منها خلل في البويضة الملقحة ناتج عن خلل في الصبغيات (الكروسومات) أو في جهاز المرأة التناسلي كمرض البول السكري. أما النوع الثاني: فهو الإجهاض المحدث ويحصل نتيجة الإعتداء ويطلق عليه الإجهاض الجنائي وقد يقع بإرادة المرأة الحامل وهو ما يطلق عليه بالإجهاض غير العلاجي. ينظر د.محمد صباح: الحماية الجنائية للطفولة، ط1، دار النهضة العربية ، القاهرة ،1998، ص18.
(4) ينظر المصدر نفسه، ص19.
(5) من القيود التي فرضها المشرع الفرنسي على حق الحامل في الإجهاض:
أ ــــ يجب أن يتم تسقيط الجنين قبل نهاية الإسبوع العاشرمن الحمل. ب ــــ يجب أن يُمارس عمل تسقيط=
    ولكن تخوفاً من إستخدام الأجنة المجهضة في المُمارسات الطبية الحديثة وبضمنها مشكلة البحث في نقل الأعضاء وزراعتها، فقد تشدد بشأن إحاطة حق الحامل بإنهاء حملها بقيودٍ تضمنها القانون ذي الرقم (654/94) لسنة 1994، وضمن المادة (152/7) والمادة (152/8) من ذات القانون تمثلت بعدم جواز تلقيح أي جنين في المختبر، إلا ضمن الإطار القانوني ومنع حمل الأجنة في المختبرات الطبية لأهداف علمية أو لإجراء البحوث أو لأهداف تجارية أو صناعية(1).
   أما في مصر فقد أقتصر التجريم فقط فـيما يتعلق بالإجهاض نتيجة الإعـتداء وليست الصورة الثانية التي تشكل خرقاً للحماية الجنائية للجنين، فقد عاقب على جرائم الإجهاض ضمن المواد (260ــــــ26) من قانون العقوبات ذي الرقم (58) لسنة 1937المعدل، وفرض قيوداً على ممارسة الإجهاض العلاجي (التلقائي) وضمن قانون إخلاقيات مهنة الطب البشري بمقتضى المادة (43) منه(2).
    وبالنسبة للمشرع العراقي فقد أكد على معاقبة ممارسة الإجهاض كجريمة معاقب عليها ضمن قانون العقوبات وبمقتضى المواد (417/ فــــــ3) و (418/ فــــــ3)، مؤكداً بأن إجهاض الجنين حتى لو وقع من الطبيب أو أحد معاونيه معاقباً عليه بإعتباره جريمة أرتكبت تحت ظرف مشدد. وقد أغفل المشرع العراقي النص على حالات الإجهاض غير العلاجي ضمن تعليمات السلوك المهني الأمر الذي يدلل على أن هناك نقصاً في وسائل الحماية الجنائية للكائن البشري.
    يتضح إلينا من كل ما تقدم بأن التشريعات محل المقارنة قد أعتمدت معيار القابلية للحياة بالنسبة لحماية الكائن البشري وبالأخص التشريع الفرنسي الذي به تتحقق الحماية الكاملة خاصة وأن القضاء الفرنسي قد ساير كذلك هذا المعيار.
   وإن من التطبيقات القضائية ذات الدلالة الصريحة على تبني القضاء الفرنسي لمعيار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=الجنين من قبل طبيب إختصاصي وفي مستشفى عام أو خاص. ج ــــ يجب أن يكون هذا العمل الطبي مقترناً بموافقة المرأة الحامل. ينظر د. مهند صلاح العزة: مصدر سابق، ص32.
                                                                                                        (1) Ahmed Abduldayam, Lesorganes,op.cite, p79.                                          
(2) إذ نصت هذه المادة على أنه
(الإجهاض العلاجي هو الذي يتم بإجرائه وضع حد للحمل عندما تكون حياة الأم معرضة للخطر ولا سبيل لإنقاذها إلا بإجرائه ويراعى في ذلك ما يلي: 
أ ــــ يجب أن يتم برأي طبيبين أحدهما يجري العملية ويسجل بهذا محضراً.
ب ــــ إذا كانت الحامل قاصراً يجب الحصول على موافقة زوجها أو المسؤول عنها. ج ـــــ إذا رفضت الحامل إجراء العملية رغم توضيح الطبيب لها خطورة فعليه الإمتثال لإرادتها)، كما نظم المشرع الأردني الإجهاض العلاجي فقط بمقتضى المادة (21) من قانون نقابة الأطباء الأردني ذي الرقم (13) الصادر في العام 1972.
القابلية للحياة في حماية الكائن البشري، أنه في قضية عرضت على مجلس الدولة الفرنسي أنتهت بإدانة أحد المراكز الطبية التي مارس فيها أحد أطبائها عملية إجهاض لسيدة بعد مرور مدة فترة العشرة أسابيع المحددة قانوناً، وأدى تدخل الطبيب الخاطئ هذا إلى إضطراب نمو الجنين، ومن ثم تمت ولادته وهو فاقد للجزء السفلي الأيمن من جسده نتيجة للخلل الجيني الذي أحدثه الطبيب، وعلى غرار ذلك ألزم المجلس هذا المركز الطبي بدفع تعويض عن الأضرار التي لحقت بالطفل بما في ذلك نفقات الأجهزة التعويضية التي سيستخدمها على مدار حياته بالإضافة إلى تعويض الأم مما لحقها من أضرار جسدية وآلام نفسية نتيجة إصابة وليدها بهذه الإعاقة(1).
   وفي قضية مماثلة للمذكورة سابقاً أثيرت أمام القضاء العراقي وتتلخص وقائعها: 
إن المدعية (م) أدعت لدى محكمة بداءة الكرادة بأنها زوجة الدكتور (ب) وقد أسقط جنينها بفعل كل من الدكتور(خ) والدكتورة (ع) عن طريق الإجهاض دون رضاها بحجة تناولها حبوب تؤثر على سلامة الجنين وتعرضه للتشوه، وهي واقعة لا أساس لها من الصحة وتخطيطاً من زوجها الدكتور(ب) للتخلص من الجنين وإيقاع الطلاق، فطلبت الحكم لها بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابها فقررت محكمة البداءة رد الدعوى بطلب التعويض، إلا أن محكمة التمييز نقضت هذا الرد وجاء في قرارها " أن حق المطالبة في التعويض مثبت في الحكم الجزائي الصادر من محكمة جنح الكرادة المرقم 1072/ ج/1984ـــــ1985 والمؤرخ1/2/ 1986، الذي أدان المدعى عليه وقضي بحبس المدعى عليها لمدة سنة واحدة مع إيقاف التنفيذ والحكم على المدعى عليه الدكتور (خ) بالغرامة، وإذا الحكم المذكور قد أكتسب درجة البتات بوقته مع النظر لضروف القضية وعدم ثبوت تناول المدعية الحبوب التي تشوه الجنين، كما ورد ذلك صراحة في خاتمة قرار الإدانة لذا كان على المحكمة السير بدعوى التعويض والركون إلى خبراء مختصين لتقديره" (2).
    نستنتنج من القضية المطروحة سابقاً بأن القضاء العراقي قد ساير معيار القابلية للحياة بالنسبة لحماية الكائن البشري، رغـــــــم إن التشريع العـــــــراقي لم تحقق نصوصه تلك الحماية بالوجه الأكمــــــل ليومنا هذا، على خلاف ما عليه الحال بالنسبة لحماية الإنسان في ضوء التشريعات الفرنسية المتكاملة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نقلاً عن د. مهند صلاح العزة: مصدر سابق، ص35 هامش رقم (34).
(2) أشار إليه د.منذر الفضل: التجربة الطبية على الجسم البشري ومدى الحماية التي يكفلها له القانون المدني والقوانين العقابية والطبية، بحث منشور في مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية، السنة الثانية، العدد السابع، كلية القانون والعلوم السياسية، جامعة الكوفة، 2010، ص78 – 79.  
الفرع الثالث
التعريف بالحق في سلامة الجسم ومضمونه وأفعال
الإعتداء عليه
    إن التعريف بالحق في سلامة الجسم وتحديد نطاقه يتطلب منا بيان مفهوم الحق في سلامة الجسم ونطاقه وأفعال المساس به، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: مفهوم الحق في سلامة الجسم(1) 
  يعد الحق في سلامة الجسم من طائفة الحقوق المشتركة التي شرعت لتكون إحدى الركائز الرئيسة في وجود وبقاء الإنسان والمجتمع على السواء، فهو ليست حقاً مطلقاً للفرد وكذلك المجتمع، فهو حق لازم للحفاظ على كيانهما. وعلى هذا الأساس لقى هذا المفهوم من التأييد ما دفع إلى تعريف الحق في سلامة الجسم بأنه: (مصلحة مزدوجة يقرها الشارع ويحميها من أجل أن تسير وظائف جسمه على النحو الطبيعي ويحتفظ بتكامله الجسدي).
   وعرف كذلك بأنه: (مصلحة للفرد والمجتمع يقرها المشرع ويحميها في أن تسير وظائف الحياة في الجسم على النحو الطبيعي وأن يحتفظ بتكامله الجسدي وأن يتحرر من آلام الجسدية والنفسية وسواءً كان هذا المساس بسلامة الأعضاء الطبيعية أم الأعضاء الصناعية بالنسبة للإنسان الذي يستعملها)(2).
  إن هذا التعريف السابق يعد جامعاً لكل عناصر الحق في سلامة الجسم ولم يضيق من نطاق مادة الجسم(3)، بل جاء واضح الدلالة على عناصر الحق في سلامة الجسم (نطاق الحق في
سلامة الجسم)، فالأخير يتضمن جملة من الحقوق الشخصية المتفرعة عنه ومن أهمها:
ـ حقه في الإحتفاظ بمادة الجسم: 
   إن مضمون هذا الحق هو أن للإنسان الإحتفاظ بكل أعضاء الجسم (التكـامل الجسدي)،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إن بالنسبة لمفهوم الحق في الشريعة الإسلامية وأقسامه. ينظر إبن منظور: مصدر سابق، ج11، ص332.
أما في الفقه القانوني وبشأن النظريات التي عرفت الحق وأقسامه. ينظر د.عبد الرزاق أحمد السنهوري: مصادر الحق في الفقه الاسلامي، ج1، المجمع العلمي العربي الإسلامي، بيروت، 1953، ص55 وما بعدها.
(2) ينظر د. منذر الفضل: التصرف القانوني في الأعضاء البشرية، ص27.
(3) إن الفقه القانوني مختلف حول مدى خضوع الأعضاء الصناعية للحماية الجنائية التي تتمتع بها العضو الطبيعي من عدمه، وبالنظر لخروج هذا النوع من الأعضاء على نطاق دراستنا فلم نتعرض للبحث فيه تاركين المسألة للقواعد العامة. 
ينظر في ذلك الموضوع تفصيلاً د.عوض محمد: مصدر سابق، ص147. وينظر د.احمد شوقي عمر أبو خطوة: مصدر سابق، ص168.
وبالمستوى الصحي لتلك الأعضاء ولجسمه بالكامل، وأن أي إعتداء يؤدي إلى الإنتقاص من قيمة هذا المستوى الصحي، يعد مساساً بالحق في سلامة الجسم، يجرمه القانون ويستوي الأمر كون هذا المساس قد ترك أثراً بالجسم لمدة طويلة أم لم يترك أثراً(1).
   ويتحقق المساس بالتكامل الجسدي بمجرد العبث بمادة الجسم على نحو يخل بتماسك الخلايا أو يضعف منه أو بإدخال تعديل على مادة الجسم كبتر أحد الأعضاء أو جزء منه(2).
ـ السير الطبيعي لوظائف الحياة:
   ويراد به حق الإنسان في أن يحتفظ بسلامة أعضائه وإستمرارية أدائها لدورها دون خلل، أي حقه في أن تستمر أعضاء جسمه أو أجهزته بالقيام في أداء وظائفها بشكل طبيعي(3)، ويتحقق ذلك الخلل بإصابة جسم الإنسان بالمرض ويقصد بالأخير: (خلل يسود بعض أعضاء الجسمفيعطلها تماماً أو يعوقها مباشرة عن وظيفتها بالشكل المتكامل سواءً كان دائماً أم مؤقتاً)(4).
3ــ حقه في التحرر من الآلام الجسدية والنفسية:
   يتلخص معنى هذا الحق بتمتع الإنسان في الراحة الجسدية التي تفترض تحرر الإنسان من كل ألم لم يكن موجوداً من قبل أو الزيادة من ألم كان يعانيه(5).
   وبالتالي فكل مساس يؤدي إلى العبث في صفو الإرتياح الجسدي والسكينة الجسدية يعد مساساً بالحق في سلامة الجسم، ولو لم يترتب على ذلك الهبوط بالمستوى الصحي أو الإنتقاص من أعضاء الجسم أو الإخلال بوظائفها(6).
   ومن كل ما تقدم يتضح إلينا أن الحق في سلامة الجسم البشري من الحقوق الفردية الأساسية والحقوق الإجتماعية، إذ لا يستطيع المجتمع أن يحتفـظ بوجوده كمجتمع له مستواه الخاص من التقدم والإزدهار، إلا إذا كان هذا الحق محاطاً بحماية كاملة، بل أن من الأهـمية القصوى لهــذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر د.احمد شوقي عمر أبو خطوة: القانون الجنائي والطب الحديث، دار النهضة العربية، القاهرة، 1986، ص 21.
(2) ينظر قرار محكمة التمييز ذو الرقم (457) - تمييزية - 1975، تأريخ القرار7/6/1975 والذي عد بتر جزء من الإصبع يشكل عاهة مستديمة أي مساسٍ بالتكامل الجسدي، القرار منشور في مجلة الأحكام العدلية، العدد2، السنة 6، 1975، ص247.
(3) ينظر د.احمد شوقي عمرأبو خطوة: القانون الجنائي والطب الحديث، مصدرسابق، ص20 وما بعدها.
(4) ينظر د.عوض محمد: مصدر سابق، ص 185.
(5) ينظر د.محمود نجيب حسني: الحق في سلامة الجسم ومدى الحماية التي يكفلها له قانون العقوبات، بحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد، العدد3، 1959، ص 529، أشار إليه د.محمد سعيد نمور: شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الجرائم الواقعة على الأشخاص، ط1، ج1، دار الثقافة، عمان، الأردن، 2008، ص 113.
(6) ينظر د.احمد شوقي عمر أبو خطوة: القانون الجنائي والطب الحديث، مصدر سابق، ص20.
الحـق، جعل التشريعـات الجنائيـة محــل المقارنة تحيطه بالحماية وتفرض العقاب على كل حالات الاعتداء أو المساس به، فقد منح الفقه والقضاء الحق في سلامة الجسم الحماية الكاملة، فالإجماع منعقد فقهاً وقضاءً على تجريد رضىالمجني عليه من كل قيمة كسبب لإباحة الإعتداء على الحق في سلامة الجسم(1).
    أما بالنسبة لموقف القوانين محل المقارنة من الحق في سلامة الجسم والحماية الجنائية المقررة له، فقد تضمنتهذه القوانين أحكاماً تحرم وتمنع كل ما من شأنه المساس بالسلامة الجسدية، مع تحديد صور هذا المساس بالحق في سلامة الجسم، فقد جرمت القتل والضرب والجرح بأنواعه(2)
   وإن ما يهمنا في نطاق دراستنا هما صورتا الجرح والقتل لكونهما يؤديان إلى حرمان الإنسان من حقه في الحياة وخرقاً للحماية الجنائية للإنسان، ولقد كان القانون الفرنسي أول القوانين الجنائية التي تكلمت عن صور المساس بالسلامة الجسمية بالضرب والجرح والعنف والتعدي، ثم إعطاء مواد ضارة بالصحة لكن ليست من شأنها أن تحدث الموت، وذلك ضمن قانون العقوبات الملغى ذي الرقم (1) لسنة1981، وقانون العقوبات الجديد ذي الرقم (1) لسنة 1994.  
   وكذا قانون العقوبات المصري بموجب القانون رقم (58) لسنة 1937 المعدل ضمن المواد (230ـــــ236ــــــ238ـــــ240ـــــ244ــــــ265)، حدد صور المساس بالسلامة الجسدية بالضرب والقتل والجرح بأنواعه. 
   كما أن المشرع العراقي في المواد (405ـــــــ412) من قانون العقوبات ذي الرقم (111) لسنة 1969 المعدل حددصور المساس في الحق في الحياة الإنسانية وسلامة جسم الإنسان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) Hemard (J) : Le Consentement dela victim dansle delit Corps et blesseures, in Rev. Critique de legislation et de jurisprudene, 1939, p300.                        
(2) المقصود بالجرح من الناحية الطبية: تفريق إتصال نسيج ما من أنسجة الجسم سواءً كان هذا التفريق لأنسجة الجلد ام للأغشية والأحشاء الباطنية والعضلات والعظام. والجروح نوعان: السحجات والكدمات والمراد بالنوع الأول هو تقشر البشرة نتيجة الإصطدام والإحتكاك بأجسام صلبة خشنة. أما النوع الثاني: فهو عبارة عن تمزق الأنسجة الرخوة تحت الجلد وما يصاحبها من تجمع دموي خارج الأوعية مع بقاء الجلد فوقها سليماً. 
ينظر د.جلال الجابري: الطب الشرعي، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2000، ص194ــــــ205.
 ويستوي الأمر في الجروح بمختلف أنواعها بكونها تتسبب بإنتزاع جزء من أنسجة الجسم فيفصلها عن سائر الجسم كبتر عضو أو إستئصال جزء منه ولو كان صغيراً كإحداث فتحة في الجلد، وتحدث الجروح في الغالب الأعم آلاماً يترتب عليها مساساً بحق الإنسان في سلامة جسده، فالعنصر الجوهري في هذه الصورة من صور المساس بسلامة الجسم هو تمزيق الأنسجة. 
ينظر د.محمود نجيب حسني: مصدر سابق، ص576.
بالقتل العمد والضرب المفضي إلى الموت والقتل الخطأ والجرح والضرب والإيذاء العمــــــد والإجهاض ثم إخفاء جثة القتيل(1)
   ولم تقتصر فقط على تجريمها لهذه الصور الماسة بالسلامة الجسدية بل أمتدت الحماية حتى للجنين في بطن أمه كما قد بينا ذلك فيما سبق تفصيلاً.
    ومن الجدير بالإشارة إليه أنه لم تقتصر الحماية على الجانب أو الكيان المادي لجسم الإنسان، وأنما أمتدت لتشمل كيانه المعنوي، ويظهر ذلك جلياً في تحريم القذف والسب الذي يصيب الإنسان بأضرار معنوية وبالغة وتحريم الإفشاء بسر إئتمن عليه الشخص بحكم وظيفته.
    وعلى ذلك ومن كل ما تقدم فإن القوانين التي تحمي حقالإنسان في حياته وسلامة جسده هي قوانين متعلقة بالنظام العام(2).
المطلب الثاني
المصلحة المعتبرة بالحماية الجنائية للإنسان الميت
   لقد علمنا مما سبق بأن الإنسان الحي يتمتع بالحماية الجنائية، من خلال مبدأ معصومية الجسد، ولكن بصيرورة هذا الجسد جثة بإنتهاء الحياة الإنسانية فيه، تمتد الحماية الجنائية له، ولكنها حماية تجد أساسها في مبدأ حرمة جثةالميت، فماالمقصود بهذا المبدأ وما هو مضمونه؟ وهل تبنته القوانين الجنائية محل المقارنة ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه ضمن هذا المطلب وفي الفروع الآتية:
   الفرع الأول: مضمون مبدأ حرمة جثةالإنسان الميت.
   الفرع الثاني: الحماية الجنائية لجثةالإنسان الميت.

                                            الفرع الأول
مضمون مبدأ حرمة جثة الإنسان الميت
   إن المقصود بمبدأ حرمة جثة الإنسان الميت وما يطلق عليه بــ (الجثة) هو إحترام القيم الأخلاقية والمعنوية التي يمثلها جثة الميت، أي إحترام ذكراه، ومشاعر ذويه وأقاربائه(3)، لكون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بينما قوانين أخرى فقد جرمت صور المساس بسلامة الجسم بعبارات عامة كمصطلح الإيذاء والإضرار بالصحة وسوء المعاملة البدنية، كالقانون الألماني إذ أستخدم مصطلحات (الإساءة البدنية والإضرار بالصحة)، ينظر د.صباح سامي داود، مصدر سابق، ص22. 
(2) ينظر د.احمد شوقي عمر أبو خطوة: القانون الجنائي والطب الحديث، مصدر سابق، ص134. 
(3) ينظر د.حسام الدين الأهواني: المشاكل القانونية التي تثيرها عمليات زرع الأعضاء، دراسة مقارنة، مطبعة جامعة عين شمس، 1975، ص152. 
جثة الميت ومنذ ميلادها تعد ذات قيمة معنوية يقتضي عدم المساس بكرامتها والتمثيل بها(1)، وترجع العلة من وراء إقرار مبدأ حرمة الجثة إلى أن جسم الإنسان هـو الوعاء الذي يحتوي الروح الإنسانية التي هي هبة الخالق عــــــز وجــل لعبــاده، ممــــا يعــــد ذلك الجســـد جــــزءً مكـــوناً للشخص
الطبيعي يشاركه كرامته، وهذه الكرامة ترتبط بجسد الإنسان وتمتد في حالة موته إلى جـثته وتأسيساً على ذلك عـدَّ مبدأ حرمة الجثة من أقـدس وأعـرق المبادئ التي تقتـضيها حـقوق الإنسان بعد وفاته(2).         
    وبالتالي فمسألة حماية الجثة المتعطلة الوظائف تخضع لإعتبارات إجتماعية تتجسد في الحفاظ على كرامة جسد الإنسان من العبث في الجثة ومراعاةً لأقربائه وذويه(3).  
الفرع الثاني
الحماية الجنائية لجثة الإنسان الميت
    لقد ترجمت القوانين الجنائية مبدأ حرمة الجثة المراد به إحترام جسد الإنسان الميت ضمن نصوصها، حيث جرمت كل فعل من شأنه المساس بجثة الميت أو الإعتداء على مكوناتها، بتشويه صورتها أو التمثيل بها، لما تنطوي عليه هذه الأفعال من إمتهان لكرامة الميت وتجريح لإحساسات ذويه وأقاربه الأدبية والأخلاقية(4)
    فقد تبنى المشرع الفرنسي هذا المبدأ حيث قرر تجريم إنتهاك حرمة القبور، وذلك وفقاً للمادة (360) من قانون العقوبات الفرنسي(5).
    كما أكد قانون العقوبات المصري في المادة (160/ فــــ3)، على ضرورة معاقبة كل من يحاول إنتهاك حرمةالقبور أو تدنيسها بالحبس أو بالغرامة(6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر د.احمد شوقي عمر أبو خطوة: القانون الجنائي والطب الحديث، مصدر سابق، ص 160. 
(2) إن لحظة موت الإنسان هي ذاتها لحظة ميلاد جثته وبالنظر لأهمية تحديد لحظة ميلاد الجثة لما لها من أثر في تحديد نطاق الحماية الجنائية المنوحة لجسم الإنسان الميت، فقد أجتهد الفقه القانوني والشرعي والعديد من علماء الطب في إختلاق العديد من المعايير والوسائل لتحديد تلك اللحظة، ونظراً لإرتباط تلك المسألة (تحديد مفهوم موت الإنسان ولحظة تحققه) بنقل الأعضاء من أجساد الأموات، فـقد خصصنا لها مبحثاً ضمن الفصل الثاني من الرسالة وعلى النحو اللاحق تفصيله. 
(3) ينظر د.منذر الفضل: التصرف القانوني في الأعضاء البشرية، ص141. 
(4) ينظر د.احمد شوقي عمر أبو خطوة: القانون الجنائي والطب الحديث، ص161. 
(5) كذلك من التشريعات الغربية التي تبنت مبدأ حرمة الجثة القانون الإنكليزي لسنــ1929ــــــــة. ينظر د.حسام الدين الأهواني: مصدر سابق، ص162. 
(6) كما أن المشرع الكويتي قد تبنى هو الآخر مبدأ حرمة الجثة بموجب قانون الجزاء ذي الرقم (31) لسنــ1970ــــــة وهذا مابينته المادة (110) منه والتي نصت على أنه: = 
   ولقد حرص المشرع العراقي على تبني مبدأ حرمة الجثة ضمن نصوص قانون العقوبات رقم (111) لسنـــ1969ـــــــــة المعدل، وعاقب على إنتهاك حرمة الموتى والقبور ضمن المواد (373، 374، 375) كما عاقب على إخفاء جثة القتيل في المادة (420) من القانون المذكور.

المبحث الثالث
إطار التعريف بالحماية القانونية للإنسان على المستوى
الدولي
   إن الإنسان وحقه في الحياة وفي سلامة الجسم وكما فصلنا ذلك سابقاً، محل تكريم وحماية في الشرائع السماوية والقوانين الجنائية، إلا أن هذا لن يقتصر عند هذا فقط، بل تجسد كذلك على الصعيد الدولي متمثلاً في المواثيق الدولية، وبضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإتفاقيات الدولية المدنية والسياسية، فضلاً عن المنظمات الدولية والعربية، إذ أكدت جميعها على حق الإنسان في الحياة والسلامة الشخصية، الأمر الذي يعكس مدى تكريم الإنسان ومدى إهتمام المجتمع الدولي به، وعلى ذلك يتطلب منا بحث موضوع تكريم الإنسان على المستوى الدولي، من خلال التعرض لمظاهر هذا التكريم على مستوى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإتفاقيات الدولية المدنية والسياسية ذات الصلة بالموضوع، ومن ثم نبحث هذا التكريم على نطاق المنظمات الدولية والعربية، وعلى ذلك سوف نقسم هذا المبحث إلى المطالب الآتية: 
المطلب الأول: مظاهر تكريم الإنسان دولياً في ظل الإعلان العالمي  لحقوق  الإنسان  
                  و الإتفاقيات الدولية المدنية والسياسية.
المطلب الثاني: مظاهر تكريم الإنسان دولياً في ظل المنظمات الدولية و العربية. 

المطلب الأول
مظاهر تكريم الإنسان دولياً في ظل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 
و الإتفاقيات الدولية المدنية والسياسية
   سوف نعرض ضمن هذا المطلب مظاهر تكريم الإنسان في ظل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإتفاقيات الدولية المدنية والسياسية وذلك في الفروع الآتية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=(كل من أنتهك حرمة مكان معد لدفن الموتى أولحفظ رفاتهم أو لإقامة مراسيم الجنازة، أو سبب إزعاجاً لأشخاص أجتمعوا بقصد إقامة مراسيم الجنازة، أو أنتهك حرمة ميت وكان عالماً بدلالة فعله، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تتجاوز ألف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين).
 الفرع الأول: تكريم الإنسان دولياً في ظل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
 الفرع الثاني: تكريم الإنسان دولياً في ظل الإتفاقيات الدولية المدنية والسياسية.
الفرع الأول
تكريم الإنسان دولياً في ظل الإعلان العالمي لحقوق 
الإنسان
   لقد تجسدت أبرز مظاهر تكريم الإنسان دولياً في النصوص التي تضمنها هذا الإعلان(1)، حيث قررت نصوصه تحريم الإسترقاق وتجارة الرقيـــق بكــــــافة أشكـــــــالها، ومنعـــــــت تعريض أي شخص للتعذيب(2)،ولا للعـــقوبات والمعاملات القاسيــــة أو الوحشـــــــية أوالحاطــة من الكرامة(3)، كما نظمت نصوص هذا الإعلان كيفية إحترام حق كل فرد في الحياة والحرية وسلامة شخصه(4).
الفرع الثاني
تكريم الإنسان دولياً في ظل الإتفاقيات الدولية 
المدنية و السياسية
   سوف نتحدث هنا عن التكريم الدولي للإنسان وفقاً للإتفاقيات الدولية المدنية والسياسية وعلى الوجه الآتي:
أولاًإتفاقية تحريم إبادة الجنس البشري(5). 
  لقد أولت هذه الإتفاقية حماية الإنسان في حياته وسلامته الجسدية عناية خاصة، تجسدت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لقد صدر هذا الإعلان عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر/كانون الأول/ 1948، متضمناً ثلاثين مادة أكدت جميعها على حقوق الإنسان في الحياة وسلامة الجسد ومنع الرق والقضاء على جميع اشكال التعذيب والإنتهاكات ضد الإنسانية.  
   ينظر أمير موسى: حقوق الإنسان مدخل إلى وعي حقوقي، مركز دراسات الوحدة العربية سلسلة الثقافة القومية (24)، بيروت، 1994، ص274.
(2) universal Declaration of  human  rights, united  Nations Department  of       
 public in formation, 1993, article5.                                                     
  (3) universal Declaration, op.cit,article5.                                                       (4) universal declaration, Ibid, article3.                                               
(5إن هذه الإتفاقية صدرت عن الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة الأمريكية في التاسع من ديسمبر/كانون الأول/1948، وعدتها مكملة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ينظر د.منى محمود مصطفى: الجريمة الدولية بين القانون الدولي والقانون الجنائي الدولي، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1989، ص45 وما بعدها. 
في تحريمها الإبادة المادية والمعنوية للإنسان، فقد حرمت الإبادة المادية المتمثلة بالإعتداء الجسماني بتعطيل أي عضو من اعضاء الجسم عن سيره العادي في أدائه لوظائفه،وحرمت الإبادة المعنوية فجرمت جميع الأفعال التي تنطوي على الإعتداءات النفسية مقررة ذلك لجميع أفراد المجتمع الدولي(1).
ثانياً: تكريم الإنسان دولياً في ظل الإتفاقية الدولية للحقوق المدنية و السياسية(2). 
   إن هذه الإتفاقية أقرت حــق الإنسان في الحياة بــموجب الفقرة الأولى من المادة السادسة منها، والتي جاء فيها كل كائن بشري يتمتع بحق الحياة المتأصل فيه وهذا الحق يحميه القانون، ولا يجوز حرمان أي فرد من هذا الحق بشكل تعسفي، أما المادة السابعة منها فقد جرمت التعذيب والمعاملات القاسية وغير الانسانية(3).
ثالثاًتكريم الإنسان دولياً في ظل الإتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان(4). 
   لقد أكدت هذه الإتفاقية على ضرورة حماية حق الأفراد في سلامة أنفسهم وأجسادهم، كما  قررت تحريم التعذيب، والعقوبات أو المعاملات غير الإنسانية بموجب المواد الثانية والثالثة منها. 
رابعاًتكريم الإنسان دولياً في ظل الإتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان(5). 
    لقد أقرت هذه الإتفاقية بموجب المادة الرابعة منها حق الإنسان في الحياة وحقه في سلامة جسمه، مع التأكيد على أن كلا الحقين هما من الحقوق المكفولة بمقتضى القانون لكل شخص منذ لحظة ميلاده(6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر د.منى محمود مصطفى: مصدر سابق، ص46 ومابعدها.
(2) صدرت هذه الإتفاقية عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في السادس عشر من ديسمبر/كانون الأول/1966، وصادق العراق عليها بموجب القانون ذي الرقم (193) لسنـ1970ــــة، المنشور في جريدة الوقائع العراقية الرسمية ذي العدد (1927) في 7/10/1970 وعد نافذاً من 15/ تموز/1967. 
(3) ينظر في عرض نصوص هذه الإتفاقية تفصيلاً د.غازي حسن صباريني: الوجيز في حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ط1، دارالثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 1995، ص90. وينظرد.ضاري خليل محمود: حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي، بيت الحكمة، سلسلة المائدة الحرة (23)، بغداد، 1998، ص53 وما بعدها.
(4) لقد صدرت هذه الاتفاقية عن المجلس الأوربي المنعقد في روما في الرابع من نوفمبر عام 1950. ينظر في تفاصيل هذه الإتفاقية.ينظر د.غازي حسن صباريني: مصدر سابق، ص50. وينظرصباح سامي داود: مصدر سابق، ص75 وما بعدها.
(5) إن هذه الإتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان أبرمت بين دول أمريكا اللاتينية في عام 1969، وأصبحت نافذة عام 1978.ينظر
 Shelton, in plemention  praderure of the American   convention on human  Rights Yearbook ofinternational law, 1983, p239.                                           
المطلب الثاني
مظاهر تكريم الإنسان دولياً في ظل المنظمات 
الدولية والعربية
    لقد كان للمنظمات الدولية والعربية دور بارز في إرساء ركائز تكريم الإنسان، من خلال تأكيدها على ضرورة المحافظة على كرامته وحرمة كيانه الجسدي في مواجهة التقدم الطبي وبالأخص في مجال عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية، إذ أضفت صبغة العمل الخيري على هذه العمليات وأدانت وجود أية تعاملات مالية أو تعويضية في مجال نقل الأعضاء، كما حظرت أي إعلانات تنطوي على صبغة تجارية تدعو إلى التبرع بالأعضاء، وعلى ذلك سوف نتناول بحث مظاهر تكريم الإنسان في ظل المنظمات الدولية أولاً ومن ثم العربية ثانياً، وذلك ضمن هذا المطلب وفي الفروع الآتية:
 الفرع الأول: مظاهر تكريم الإنسان في ظل المنظمات الدولية.
 الفرع الثاني: مظاهر تكريم الإنسان في ظل المنظمات العربية.
الفرع الأول
مظاهر تكريم الإنسان في ظل المنظمات الدولية
إن من أبرز مظاهر التكريم للإنسان تجسدت  في دستـــــور منظمـــة الصحــــة الــــــدولية (1)والذي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=(6) إذ نصت المادة المذكورة على ما يأتي: (أـــ ﻻ ﻴﺠﻭﺯ إﺴﺘﺭﻗﺎﻕ ﺃﻭ ﺘﺴﺨﻴﺭ ﺃﻱ ﺇﻨﺴﺎﻥ. ب ــــ ﻻ ﻴﺠﻭﺯ ﺃﻥ ﻴﻁﻠﺏ ﻤﻥ ﺃﻱ ﺇﻨﺴﺎﻥ أداء ﻋﻤل جبراً ﺃﻭ ﺴﺨﺭﺓ. ج ــــ ﻻ ﻴﺸﻤل إﺼﻁﻼﺡ "ﺠﺒﺭاً ﺃﻭ ﺴﺨﺭﺓ" ﻓﻲ ﻨﻁﺎﻕ ﺘﻁﺒﻴﻕ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻤﺎ ﻴﻠﻲ: 
1ــ أﻱ ﻋﻤل ﻴﻁﻠﺏ ﺇﻨﺠﺎﺯﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻅﺭﻭﻑ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩﺓ ﻁﺒﻘﺎً ﻟﻨﺼﻭﺹ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﺨﺎﻤﺴﺔ ﻤﻥ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﻌﺎﻫﺩﺓ او الإفراج عنه تحت شرط. 2ـــ ﺃﻱ ﺨﺩﻤﺔ ﻟﻬﺎ ﺼﻔﺔ ﻋﺴﻜﺭﻴﺔ اﻭ ﺃﻱ ﺨﺩﻤﺔ ﺒﺩﻴﻠﺔ ﻟﻠﺨﺩﻤﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺭﻴﺔ ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻤﻥ ﻴﺄﺒﻰ ﻀﻤﻴﺭﻫم ﺍلإﺸﺘﺭﺍﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺭﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﺩﻭل ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺴﻤﺢ ﻟﻬﻡ ﺒﺫﻟﻙ. 3ـــ ﺃﻱ ﺨﺩﻤﺔ ﺘﻁﻠﺏ ﻓﻲ ﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻁﻭﺍﺭﺉ اﻭ ﺍﻟكوﺍﺭﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﻬﺩﺩ ﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ. 4ـــ ﺃﻱ ﻋﻤل ﺃﻭ ﺨﺩﻤﺔ ﺘﺸﻜل ﺠﺯﺀﺍً ﻤﻥ ﺍلإﻟﺘﺯﺍﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﺩﻨﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩﺓ). للمزيد من بنود هذه الإتفاقية منشورة على الموقع الألكتروني:
http://www.shamspal.org/pages/arabic/internationalLaws/eurpHumanRights.pdf. آخر زيارة للموقع في 10/6/2013.
(1) إذ أقر هذا الدستور مؤتمر الصحة الدولي الذي عقد في نيويورك للفترة من 19 حزيران إلى23 تموز من عام 1946، ووقعه ممثلو61 دولة (السجلات الرسمية لمنظمة الصحة العالمية رقم 2. صفحة 100). ودخل حيز النفاذ في 7/ نيسان/1948, والتعديلات التي أقرتها جمعية الصحةالعالمية السادسة والعشرون والتاسعة والعشرون والتاسعة والثلاثون والحادية والخمسون (القرارات ج ص ع26-37 وج ص ع29- 38 وج ص ع 39-6 ج ص ع51-23)، أصبحت نافــــذة في شبـــاط 1977 و5 كـــــانون الثاني 1984و11 تمـــوز1994=
قضت بموجبه على ضرورة تمتع الأفراد برعاية صحية، حيث أشير في ديباجة الدستور إلى ضرورة التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه كونه أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة السياسية أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية، وأكدت عليه كذلك في المادة الأولى التي جاء فيها ما يأتي: (إن هدف منظمة الصحة العالمية هو أن تبلغ جميع الشعوب أرفع مستوى صحي ممكن).   
   نجد في هذه المادة الأهمية الكبرى التي أولاها واضعواهذا الدستور إلى صحة الإنسان فجعلته من أهم أهدافها التي يجب أن تسعى الدول إلى تحقيقها سواءً أكانت مجتمعة أم منفردة، وليس بعيداً عن ذلك ذهب واضعو ميثاق الأمم المتحدة في مؤتمر سان فرانسيسكو 1954(1).
  كما أن من أبرز مظاهر تكريم الإنسان على صعيد المنظمات الدولية تمثلت في ما أصدرته هذه المنظمات من توصيات وقرارات إجتماعها في بروكسل (بلجيكا) خلال شهر أكتوبر من العام1970، من أجل حماية شعوب الدول النامية والذين تشكل أجساد (فقرائهم) أحد الموارد الرئيسة للحصول على الأعضاء وبيعها في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية للمرضى الأثرياء من أجل زراعتها في أجسادهم. 
  ولقد أدانت كذلك الجمعية ذاتها في إجتماعها التاسع والثلاثين والمنعقد في أكتوبر من العام 1987 في مدريد عمليات بيع وشراء الأعضاء البشرية وكافة وسائل تسهيل وترويج الإتجار بها، كما تبنت في إجتماعها الثاني والأربعين المنعقد سنة 1989 القرار ذي الرقم (5) الذي منعت بموجبه إستغلال البؤس والشقاء الإنساني خاصة لدى الأطفال والأقليات الضعيفة الأخرى، ولقد حثت على تطبيق المبادئ الأخلاقية التي تستنكر شراء وبيع الأعضاء البشرية(2)، في مجال الإتجار بالأعضاء البشرية لما تنطوي عليه هذه الممارسات من إنتهاكات لحقوق الإنسان.
       وإن من أبرز مظاهر تكريم الإنسان على صعيد المنظمات الدولية كذلك تمثلت بما قررته
جمعية زراعة الأعضاء الدولية والجمعية الطبية العالمية من قرارات وتوصيات، حظـــــــرت مــــــن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=و15 أيلول 2005 على التوالي, لمزيد من التفاصيل. ينظر دستور منظمة الصحة العالمية. منشور على الموقع الألكتروني:
http://apps.who.int/gb/bd/PDF/bd47/AR/constitution-ar.pdf. آخر زيارة للموقع في 9/6/2013.
(1) فقـد نصت ( المادة الأولى / فـــــ 3) من الميثاق المذكورعلى ما يأتي:  
  (ضرورة العمل على تعزيز إحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا بلا تمييز). 
 للمزيد من التفاصيل حول نصوص الميثاق ينظر ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل   الدوليةللأمم المتحدة منشور على الموقع الألكتروني:
http://www.un.org/ar/documents/charter.             آخر زيارة للموقع في 9/6/2013.
(2) ينظر د.حامد سيد محمد: الإتجار في البشر كجريمة منظمة عابرة للحدود، ط1، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2010، ص49. وينظر                       Ahmed Abdualdyam, op.cit, p117. 
خلالها بيع الأعضاء البشرية، فقد قررت لجنة الأخلاق التابعة لجمعية زراعة الأعضاء البشرية الدولية عام1970، ما يأتي:
 (لا يجوز ومحظور على المانح تلقي أي تعويض مادي ولايجوز بيع الأعضاء تحت أي ظرف ويسري ذلك على الأعضاء المنقولة من شخص حي أو تلك التي يتم الحصول عليها من الجثث)(1)
  وما يبرز مظاهر التكريم الإنساني على صعيد المنظمات الدولية كذلك، ما تبنته جمعية زراعة الأعضاء في سبتمبرمن عام 1985 من توصيات بشأن ضرورة حظر الإعلانات ذات الصبغة التجارية، وإنهاء عضوية الأطباء ممن هم ضمن عضويتها في حالة ثبوت مشاركتهم في إجراء عمليات نقل او زراعة أعضاء بشرية على سبيل الإتجار لا التبرع.
   أما على مستوى الجمعية الطبية العالمية فقد أصدرت في عام 1985 تصريحاً حول الإتجار بالأعضاء أدانت بموجبه شراء و بيع الأعضاء القابلة للزرع.
   كما أكدت ذلك منظمة الصحة العالمية عند إصدارها المبادىء التوجيهية ذات الصلة بتنظيم عمليات زرع الأعضاء البشرية في آيار/مايو/2010(2)، في محاولة منهــــا بتـــوفير إطار منهجي ومقبول للحصول على الأعضاء البشرية وزرعها للأغراض العلاجية، بالشكل الذي لا يجافي كرامة الإنسان وحرمته، إذ جاء في أحد المبادىء المذكورة مايأتي:
   (ينبغي أن يكون التبرع بالخلايا والنسج والأعضاء مجاناً فقط ومن دون دفع أي أموال أو مكافأت أخرى لها قيمة مالية، وينبغي أن يحظر شراء الخلايا أو النسج أو الأعضاء أو عرض شرائها بغرض الزرع أو بيعها من قبل أشخاص أحياء أو من قبل أقرباء الموتى).


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1فقد أكد ذلك المبدأ نفسه القرار ذو الرقم (29) الصادر عن المجلس الأوربي في عام 1978، المتعلق بتنسيق تشريعات الدول الأوربية بشأن إقتطاع و زرع مواد حيوية ذات أصل إنساني، إذأوجبت بمقتضى ذلك القرار وبموجب المادة التاسعة منه أن يكون التنازل مجانياً وبدون مقابل في كل ما يتعلق بجوهر الإنسان.
Ahmed Abdualdyam, Ibid, p116.                                                                
(2لقد أصدرت منظمة الصحة العالمية المبادىء المذكورة حسب مصادقة جمعية الصحة العالمية الثالثة والستين في آيار/ مايو/2010، بموجب القرار ذي الرقم (ج. ص. ع 22/63).
للمزيد من التفاصيل تنظر مبادىء منظمة الصحة العالمية التوجيهية بشأن زرع الخلايا والنسج والأعضاء البشرية، منشورة على الموقع الألكتروني:
الفرع الثاني
مظاهر تكريم الإنسان في ظل المنظمات العربية
    إن من أبرز مظاهر تكريم الإنسان في ظل المنظمات العربية هو ما أقرته اللجنة الفنية لمجلس وزراء الصحة العرب من حظر بيع الأعضاء البشرية، وذلك في إجتماعها المنعقدفي تونس كانون الأول عام 1986، وأكد ذلك مشروع القانون العربي الموحد لعمليات زراعة الإعضاء البشرية المقترح من ذات اللجنة، إذ حظرت المادة الثامنة منه بيع وشراء الأعضاء بأية وسيــــــلة كانت أو تقاضي أي مقابل مادي عنها، كما حظرت على الأطباء المشاركة في أي عمليات عند علمه بوجود مثل هكذا مقابلات مادية(1).
    وكذا مجمع الفقه الإسلامي رابطة العالم الإسلامي فقد أكد ما أقرته المادة الثامنة من مشروع القانون العربي الموحد في دورة مؤتمره الرابع المنعقدة في جدة، الممكلة العربية السعودية في السادس من نوفمبر من عام 1988، إذ أتخذ بموجبها العديد من القرارات المانعة من وقوع النقلفي عمليات نقل الأعضاء على عضو أساسي في حياة المتبرع وأقر كذلك مبدأ عدم جواز إخضاع الإنسان للبيع بأي حال من الأحوال(2).
   كما أكد الميثاق العربي لحقوق الإنسان على حق الإنسان في الحياة وسلامته الجسدية مع ضرورة توفير الحماية القانونية اللازمة لها بموجب المادة الخامسة منه(3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1) لقد تمت مناقشة مشروع القانون العربي الموحد لزراعة الأعضاء البشرية في إجتماع وزراء العرب الثاني عشر المنعقد في الخرطوم خلال شهر مارس من العام 1987، وكان الهدف منه هو التأكيد على حظر الإتجار بالأعضاء البشرية، وبموجب هذا الإجتماع أتخذ الوزراء قراراً جاء في مادته السابعة، ما يأتي: 
 (إنه يحظر الإتجار بالأعضاء بيعاً وشراءً وكذلك لا يجوز دفع أي مكافأة لقاء التبرع، كما لا يجوز للأطباء المشاركة في إجراء أياً من عمليتي النقل أو الزرع متى كانت لأغراض تجارية). ينظر د.مهند صلاح فتحي العزة: مصدر سابق، ص157. وينظر د.منذر الفضل: التصرف القانوني في الأعضاء البشرية، ص70. وينظر د.محمد حماد مرهج الهيتي: مصدر سابق، ص87.
(2) وهذا ما بينته قرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي التي أصدرها في دورة مؤتمره الرابع المنعقدة للفترة من 18ــــــ23 جمادي الآخرة 1408هـ، الموافق 6/11/1988، والذي جاء في إحداها مايأتي: (لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحالٍ ما). هذا القرار منشور على الموقع الألكتروني:
http://fiqh.islammessage.com/NewsDetails.aspx?id=6130. آخر زيارة للموقع في11/6/2013.
(3) لقد صادق على الميثاق المذكور مجلس جامعة الدول العربية بموجب القرار (ق.ق270: د.ع (16) 23/5/2004، حسب قرار الدورة العادية (121) لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري رقم(6405) بتأريخ 4/3/2013، وجاء في المادة الخامسة منه مايأتي: (1ــ الحق في الحياة حق ملازم ﻟكل ﺷخص. 2ــــ يحمي ﺍﻟﻘﺎﻧﻥ هذا الحق ﻭلا يجوز ﺣﻣﺎﻥ ﺃحد ﻣ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺗﻌﺴﻔﺎً). للمزيد حول نصوص الميثاق العربي لحقوق الإنسان. ينظر الموقع الألكتروني:http://www.ichr.ps/pdfs/mod1.pdf. آخر زيارة للموقع في 10/6/2013.
    ولقد بينت ديباجة الميثاق المذكور على أن المصادقة عليه جاءت إنطلاقاً من إيمان الأمة العربية بكرامة الإنسان الذي أعزه الله منذ الخليقة، ولأن الوطن العربي هو مهد الديانات وموطن الحضارات ذات القيم الإنسانية السامية التي أكدت حقه في حياة كريمة على أسس من الحرية والعدل والمساواة، وتحقيقاً للمبادىء الخالدة للدين الإسلامي الحنيف والديانات الأخرى في الأخوة والمساواة والتسامح،وإعتزازاً منها بما أرسته عبر تأريخها الطويل من قيم ومبادىء إنسانية كان لها الدور الكبير في نشر مراكز العلم بين الشرق والغرب مما جعلها مقصداً لأهل الأرض وللباحثين عن المعرفة والحكمة.
   نلتمس من كل ما تقدم بأن مصالح الإنسان وحقوقه في الحياة وسلامة جسمه ذات طابع دولي وإقليمي وأنها هي الراجحة على مصالح التقدم العلمي، ونحن نقر بدورنا تواضعاً بعدم الإعتداد بأي بحوث طبية وعلمية لا تلقي لكرامة الإنسان أي بال ولا إهتمام. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نطاق العقد

الهيئات الاداريه المكلفه بجمايه البيئة

المحكمه الكترونية